اللغة العربية الفصحى

عندما نضيف للغة العربية، هذا التحديد في لفظ "الفصحى"، فهذا يجعل منها لغة أهل الثقافة والمتعلمين سواء في شقها المكتوب أو الشفهي، كما أنها اللغة المشتركة في العالم العربي. وهذا الانتقال الذي يتم فيه تعلم الفصحى يكون عبر "الانتقال عند الطفل من الكفاية اللغوية في اللهجة المحكية المكتسبة بشكل طبيعي في البيئة، إلى الكفاية اللغوية في اللغة العربية الفصحى، إنما يتم في المدرسة وعبر عملية تدريس ملحوظة، تبدأ مع بدء الدراسة المدرسية، ينجم عن ذلك بطبيعة الحال، أن معرفة اللغة العربية الفصحى وإتقانها، يتفاوتان بين فرد وآخر، وذلك بحسب ثقافة كل فرد وإلمامه اللغوي"[1] فاللغة العربية الفصحى يتم تعلمها داخل المدرسة وعبر برامج مدروسة وفي ظروف تصطنع مثل تلك العمليات التواصلية التي في الواقع المعاش في المجتمع يتم فيها اتباع منهج متدرج وتظهر في المسيرة الدراسية فروقات بين المتعلمين في درجات الاستيعاب.

وتبقى اللغة العربية دون أن نميز هنا بين اللغة العربية المعيار (أي الفصحى) وبين العامية تظل هي من أكثر اللغات تحدثا ضمن مجموعة اللغات السامية كما أنها "أكثر اللغات انتشارا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة ويتوزع متحدثوها في الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا"[2] وما سبق إشارة ضرورية في تعريف اللغة العربية إحصائيا، وقد ذكرنا أن اللغة العربية من اللغات السامية. رغم أن النهج اللساني الحديث المقارن تجاوز التصنيف السلالي للغات geneological الذي يربط بين "لغات تنتمي إلى نفس الفصائل أو الأسر اللغوية التقليدية مثل السامية Semitic والجرمانية Germonic والرومانية"[3] بل إن التصنيف بين اللغات الآن أصبح قائما على التصنيفات والنمطيات Typologies، التي تعتمد معايير علمية لتقرر التقارب أو عكسه بين اللغات انطلاقا من خصائص البنى وطرق اشتقاق الكلمات والتراكيب. فإذا اعتمدنا التصنيف السلالي فإن اللغة العربية "(لغة مضر أو عرب الشمال في نجد)[4] هي عند التساهل الكبير ـ احدى اللغات الأعرابية التي يقال لها خطأ. (اللغات السامية)، فإنها بهذا النظر، أخت اللغات البابلية والكنعانية والآرامية وابنة عم اللغة الحبشية"[5].

هذا من جهة، أما من جهة أخرى إذا ابتغينا الوصف العلمي والموضوعي للغة العربية فإنها؛ لغة من اللغات اليمينية أي أنها تكتب من اليمين إلى اليسار، ويبلغ عدد فونيماتها أربعة وثلاثين فونيما منها ثمانية وعشرون صامتا وفي العدد اختلاف، حيث نجد في كتب القدماء خلط بين الصوامت والصوائت لكنهم وصفوا أحوال أصوات العربية بأدق الصفات، وهذا ما نجد سيبويه يدرسه في سفره الكتاب في باب الإدغام حيث يذكر أن أصل حروف العربية تسعة وعشرون حرفا "الهمزة، والألف، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، والكاف، والقاف، والضاد، والجيم والشين، والياء واللام، والراء والنون والطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين، والظاء والذال والثاء والفاء والباء والميم والواو"[6] ونجد أن سيبويه قد عدد مع أصوات العربية الألف كذلك والهمزة. وللعربية ست صوائت، ثلاثة قصار وهي الفتحة والكسرة والضمة وثلاثة طوال الألف والياء والواو. هذا عن أصوات العربية أما ما يخص أهم خصائص هذه اللغة، فإنها تتميز بكونها من اللغات الاشتقاقية "وهذا يعني أن هناك مادة لغوية معينة مثل (ك ت ب) يمكن تشكيلها على هيئات مختلفة كل هيئة منها لها وزن خاص ولها وظيفة خاصة"[7] مثلا يمكن أن نشتق اسم الفاعل كاتب واسم المفعول مكتوب، واسم المكان مكتب. كلها جذوع اشتقت من الجذر كتب، وهذه هي العملية المعروفة بالاشتقاق. وذلك خلافا للغات أخرى تعتمد الإلصاق كاللغة الانجليزية مثلا والتي تشكل الصيغ عن طريق السوابق Prefix أو اللواحق Suffix، وهي التي تعمل على خلق كلمات جديدة. لكن نسبة الخلق والإبداع تكون أكبر عند اللغات الاشتقاقية فخاصية الاشتقاق تضمن للغة العربية مرونة واتساعا، ومعروف هو ذلك الخلاف العتيق بين البصريين وأهل الكوفة حول أصل الاشتقاق أهو المصدر أم الفعل. لكن الصرف صواتة الحديثة ضمن مجال اللسانيات، تجاوزت ذلك الخلاف لتجعل من الجذرroot أصل الاشتقاق، وبعد إضافة القالب المصوتي للجذر يصير جذعا stem، ومنه تكوين الكلمات في اللغة العربية. ويمكن أن نعتبر الاشتقاق من آليات اللغة العربية في التجديد، لتضمن لنفسها المرونة التاريخية والمواكبة الحضارية لكل جديد وحقا "استطاعت العربية بمرونة فائقة، أن تتحاشى أزمة موقفها بين القديم والأصيل والمحدث الطارئ، بتطويع دلالات الألفاظ والتوسع في المجاز، لكي تؤدي المعاني الجديدة التي لم يكن للعرب عهد بها من قبل"[8]. وللغة العربية ميزة تكاد تكون حالة فريدة في تاريخ اللغات البشرية، وهو أن التطور اللغوي لم يؤثر فيها بشكل جذري كما أثر في اللغات الأخرى ما سبب لها الاندثار، فرغم أن للغة العربية تاريخا ممتدا وحياة حافلة إلا أنه لم يصبها الوهن وتطلها الشيخوخة "وظل التراث اللغوي العربي مقروءا منذ أقدم كتاب عرفته المكتبة العربية، ولا تزال اللغة العربية نامية متجددة، تستجيب لحاجات الناطقين بها، وتستوعب ما يستجد في حياتهم"[9] كما أن العربية ما تزال محافظة على خصائصها من ألفاظ وصرف ونحو، حتى من الناحية البلاغية فهي حافظت على تشابيهها واستعاراتها، فلغة اليوم هي نفسها لغة القرآن الكريم ولغة الشعر العربي، في المقابل نجد اللغة اليونانية واللغة العبرية واللغة السنسكريتية فقدت هذه اللغات الكثير من "ألفاظها ومن قواعد الصرف والنحو فيها إلى حد أصبحت عنده اليوم غير ما كانت عليه بالأمس. إن اليوناني اليوم لا يتكلم لغة هوميروس أو لغة أفلاطون وأرسطو، وإن اللغة اللاتينية مازالت حية في عدد من العظات الدينية فقط ولم يبق لها صلة بالحياة"[10] ما تتمتع به العربية الفصحى من محافظة على هويتها يرتبط بشكل منطقي كونها لغة القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا، كما أنها لغة التراث العربي الضخم "الذي كان محوره هو القرآن الكريم في كثير من مظاهره، وقد كفل الله لها الحفظ، ما دام بحفظ دينه، فقال عز من قائل ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾"[11] ويعتبر النص القرآني النموذج الأعلى للعربية الفصحى.

واللغة العربية تتميز كذلك بأن لها خصائص كبسية إصهارية، ما يجعلها أكثر إنتاجية للمعاني والدلالات الجديدة، والإصهار يعتمد الكلمة وحدة أساسية "نستطيع بواسطتها أن نقتصد في البناء والاحتساب ونستطيع بواسطتها أن نعبر في عجالة عما يعبر عنه الآخرون في وقت طويل"[12].

وهذا ما يسمى بالإيجاز اي أن اللغة العربية لغة إيجاز واقتصاد ولغة تعبير عن المعاني كثيرة بالألفاظ القليلة، ومن الأمثلة التي قدم الدكتور الفاسي الفهري (1998) في هذا الإطار (أورق الشجر، ألبنت البقرة، أنبت الحقل، أربع الرجل)[13]، ويمكن أن نستدل لهذه الظاهرة كذلك ونؤكد على ظاهرة الإعجاز من خلال ترجمتهم لأصغر آيات القرآن الكريم والتي تشكل تركيبيا كلمة واحدة كما في قوله تعالى ﴿مدهامتان﴾[14]والتي تفسر أنها "خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الخضرة والري"[15] وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية Two Gardens, dark green and fresh.إذن تنتقل من الإيجاز العربي في كلمة إلى التعبير عنها جملة.

أما بالنسبة لخصائص اللغة العربية التركيبية؛ فهي قائمة على تعدد الإمكانات التركيبية إذ من خلال جملة واحدة أو رتبة واحدة يمكن أن نولد عدة رتب أخرى، وباستعمال المصطلح التوليدي فإننا ننطلق من جملة نواة تكون الرتبة الأكثر استعمالا في اللغة العربية (فعل، فاعل، مفعول به)، أي ما يعرف بالجملة الفعلية، وبعد ذلك يتم تنويع هذه الجمل بتنويع الرتب. ومن الخصائص الصرفية التي تميز اللغة العربية كذلك أنها تميز بين المذكر والمؤنث إذ أن الفعل يتبع الفاعل إذا ذكر الأول يذكر الثاني كذلك والعكس صحيح أيضا مع المؤنث بحيث لا يمكن أن نقول: "نجحت الطالب" واللغة العربية كذلك لغة إعرابية بحيث تظهر الحركات الإعرابية على أخرها مما قد يساهم الإيجاز.

وتبقى اللغة العربية الفصحى هي الرابط الذي لا ينفصل بين الأمة الاسلامية، مهما تهددت بعاميات وغيرها من التهديدات، فمصيرها لن يكون مصير اللاتينية لكونها لغة الدين ورمز الوحدة الوطنية والقومية. إلا أن العمل على حمايتها يحتاج إلى تخطيط لساني محكم، ولنا أن نستفيد من تجارب لغوية عالمية كثيرة فالعبريون مثلا "وحدوا لغة الحديث اليومي ولغة العلم والثقافة، فجعلوا العبرية مكتوبة منطوقة، ولم تجذبهم الواقعية لاختيار لغة حديث يومي متداول، لاختيار لغة أوربية قوية ضامنة للتقدم العملي"[16] فبعد تخطيط لساني محكم تم إحياء اللغة العبرية التي ماتت لأكثر من سبعة عشر قرنا وكان هذا الإحياء على الصعيد الكتابي والشفوي وتم القضاء على لهجة الييديش وذلك ليس إلا بوعيهم بخطورة الازدواج اللغوي Diglossia وما يؤدي إليه من تشتت. وكذلك لم يرضخوا لواقع فرضته الظروف الحضارية فيستعينوا بلغة أوربية كالفرنسية والإنجليزية وذلك أيضا لوعي خطير بما تؤديه الثنائية اللغوية Bilingualism من فقدان للهوية. إن التجربة اللغوية العبرية تعاملت مع لغة ماتت، بينما اللغة العربية لم تمت بعد لذلك فحمايتها ستكون باستثمارها ونشرها واستعمالها. وأكثر مجالات الحياة مقدرة على ذلك التعليم. وظواهر كالتي ذكرت أي الازدواج اللغوي والثنائية تؤثر فيها بشكل كبير سلبا وهذا ما سيتم بيانه في مقام آخر. إن اكتساب اللغة العربية يكون للمتكلم قدرة لغوية أو كفاية كذلك، فما هي هذه القدرة اللغوية لسانيا وتعليميا؟

[1]) ميشال، زكريا (1993)، قضايا ألسنية تطبيقية: دراسات لغوية اجتماعية نفسية مع مقاربة تراثية، ط1، ص:46.


[2]) موسوعة ويكيبيديا الحرة الإليكترونية.


[3]) الفاسي الفهري، عبد القادر (1998): المقارنة والتخطيط في البحث اللساني العربي. ، ط1، ص:11.


[4]) حسب فروج عمر فإن تقسيم اللغات إلى سامية وحامية ويافثية حسب أبناء نوح.


[5]) فروخ، عمر (1981): عبقرية اللغة العربية، دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان، ص:8.


[6]) سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (1982): الكتاب، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ط2، ص:436.

[7]) الراجي، عبده (2009): التطبيق الصرفي، دار النهضة العربية، بيروت ـ لبنان، ص:85.

[8]) قدوري، غانم الحمد (2005): أبحاث في العربية الفصحى، دار عمار، المملكة الأردنية الهاشمية، ط1، ص:216.

[9]) المرجع نفسه، ص:205.


[10]) فروخ، عمر (1981): عبقرية اللغة العربية، ص:8


[11])ـ سورة الحجر، الآية9


[12]) الفاسي الفهري، عبد القادر (1998): المقاربة والتخطيط في البحث اللساني العربي، ص:168


[13]) قدوري، غانم الحمد (2005): أبحاث في العربية الفصحى، ص:220


[14]) سورة الرحمان، الآية: 64.


[15]) الحمصي، محمد حسن (2009): مصحف التجويد وعلى حاشيته تفسير وبيان مفردات القرآن، مؤسسة الإيمان، ط2، ص:533.


[16]) الفاسي الفهري، عبد القادر (1998): المقارنة والتخطيط في البحث اللساني العربي. ص:157.

27 marzo 2020
Profile Picture
12 USD
USD/h

Maria Meftahi

security_checked
5.0
12 USD
USD/h
Flag
Arabo
globe
Marocco
time
595
Parla:
Arabo
Madrelingua
,
Inglese
B2
,
Berbero
B2
,
Francese
A1
,
Spagnolo
A1
The Arabic language is my world that I love, and I will consider it as my ship to travel across different cultures, and to meet new friends. I can teach you the language from the first steps, to the stage of discussion and controversy about life issues. I speak English so we can understand it when it is difficult for you, but do not be afraid I will make your learning of the language a fun game, with a lot of sciences and knowledge that we will look at together as friends, and certainly with the seriousness of the relationship of a professor and a student, because I will correct you for all the errors that may occur, Whether in pronunciation, or in syntax, I can also train you to write. So, what are you looking to. let us forget the difference of place and time, and let us start learning the Arabic language?
Flag
Arabo
globe
Marocco
time
595
Parla:
Arabo
Madrelingua
,
Inglese
B2
,
Berbero
B2
,
Francese
A1
,
Spagnolo
A1
The Arabic language is my world that I love, and I will consider it as my ship to travel across different cultures, and to meet new friends. I can teach you the language from the first steps, to the stage of discussion and controversy about life issues. I speak English so we can understand it when it is difficult for you, but do not be afraid I will make your learning of the language a fun game, with a lot of sciences and knowledge that we will look at together as friends, and certainly with the seriousness of the relationship of a professor and a student, because I will correct you for all the errors that may occur, Whether in pronunciation, or in syntax, I can also train you to write. So, what are you looking to. let us forget the difference of place and time, and let us start learning the Arabic language?
Mi vida antes del Covid- 19 (IMPERFECTO) A-2
Profile Picture
Alejandra Santiago
7 agosto 2020
팔랑귀
Profile Picture
Abby H
7 agosto 2020
The Origins of popular English Idioms
Profile Picture
Jen Mc Monagle
7 agosto 2020